اتصلت بي الزميلة راغدة الرجي لتعاتبني وتسألني لماذا لم أعد أكتب وأعبر عن رأيي في مسائل لطالما كانت تعني الشباب والمجتمع والسياسة... وفي الواقع بررت الإجابة بانشغالاتي وبطبيعة عملي ووعدتها في ختام الحديث ان أعود إلى الكتابة عندما تسنح الظروف. لكن رحت أفكّر... ترى، لماذا سأكتب؟ وعمّن؟ وهل سيكون رأيي مسموعاً إذا كتبت؟ وهل هناك مكان للكتابة وأهل القلم والرأي في زمننا؟ في الزمن الذي طغت فيه "المصادر المقرّبة والموثوقة" على كلمة الشرف والصدق والصدقية؟ في زمن كثر فيه النفاق والتكاذب المشترك "والضحك على الذقون" في وقت يتأرجح البلد على كفّ عفريت...
هل أكتب في زمنٍ تحوّلت فيه بعض وسائل الإعلام أدوات "شتم" لهذا الفريق أو ذاك؟ وفي زمن تبدلت وتبهدلت فيه الصحافة وانحدر بها البعض إلى مستوى "باش كاتب" عند أصغر "فرخ" في السياسة؟ ماذا أكتب في زمنٍ لم يعد فيه قيمة للحقيقة والعدالة وتحول المجرم ضحية، والقاتل نعجة والضحية
جلاداً؟ أأكتب في زمن الانحطاط والانحدار السياسي حيث باتت السياسة حكراً على "الورثة" أو أصحاب الأموال والثروات الطائلة التي يرشون ويشترون بها الأبواق والأقلام للدفاع عنهم وعن مشاريعهم الهدّامة للوطن ولشعبه؟ لماذا أكتب عندما لا تتحقق أدنى وعود السياسيين في هذا البلد المحكوم بالعذاب المؤبد والملعون "بالتعددية" في وقت هي نعمة حولناها نقمة بل كارثة أزلية على النظام وأهله؟
لماذا أكتب؟ في بلد ننام ونصحو فيه على التهويل والتهديد والوعيد بالحروب الأهلية والفتن المذهبية والخطابات النارية التي تترافق بطلقات نارية تنهمر على رؤوس المواطنين وكأنه لا يكفيهم هول الخطابات السياسية لتنال منهم "رصاصات الإبتهاج" القاتلة فتكون لهم بمثابة "جائزة الترضية" إذا جرحوا، وبمثابة "الجائزة الكبرى" في ما لو "على ربّهم توكلوا" وارتاحوا من مشقات العيش في لبنان؛ هل أكتب عن الفساد في الإدارة والسياسة حيث لا وجود لأصحاب الكفاية العلمية وحيث لا تطبّق معادلة : الشخص المناسب في المكان المناسب؟ أم أكتب عن غياب الرؤية الاستراتيجية للبلاد والتفكير في مستقبل الأجيال والشباب وحتى السؤال عن مصير العجزة في البلد؟
أم تراني أكتب عن حال المرضى في بلادي؟ وكيف يعيشون ويموتون ألف ميتة في اليوم وهم يبحثون عن الدواء ان لم أقل "يستعطونه" من أمام المؤسسات الحكومية والضمان وغيرها .... أم أكتب عن غلاء الأسعار والمعيشة والفحش اللاحق بكل القطاعات دونما استثناء... من ربطة الخبز إلى "شربة الماء" وصولاً إلى تأمين مسكن في لبنان... كان يقال في الماضي "نيال اللي عندو مرقد عنزة في لبنان" أما اليوم فبتنا نقول : نيّال اللي عندو "معاش شهري" يخوّله الحصول على قرض سكني ليتمكن من شراء "مرقد عنزة" في لبنان... .ولماذا أكتب؟
فيليب أبوزيد