تويتر لبنان : زوبعة في فنجان
حكومات ظلّ غير فاعلة ! والتغيير الحقيقي يبدأ في صندوقة الإقتراع
حاشية: يأتي هذا المقال نتيجة تبادل أفكار وآراء بين كاتبين جمعتهما مقاعد الدراسة في مدرسة القلب الأقدس الجميّزة وفرقّتهما الحياة...
لبنان الجمهوريّة عاجز اليوم عن تشكيل حكومة لأسباب عديدة لا فائدة لنا في الاسترسال
فيها. فالأهم من الأسباب هي تداعيات هذه الأزمة السياسيّة على المواطنين،
وخصوصاً الشباب منهم، مِن يأس وهجرة وشعور بالاختناق في وطن النجوم.
يجد شباب لبنان في مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة للترويح عن أنفسهم، لكن هذه المواقع أصبحت عالماً سياسياً بحد ذاته.
كل مشترك يبدأ نهاره بقراءة الأخبار، أو بالأحرى المتناقلة بين من يتبع حساباتهم.
كثُرت الأخبار الكاذبة وهي تنتشر أسرع من أيْ خبر صحيح وموثّق. وهنا الكارثة لأنّ
لبنان أضعفتهُ هذه الحقيقة الرقميّة الخطيرة!
وهنا نسأل : هل تسبّبت هذه المواقع بتباعد اللبنانيين عن بعضهم البعض، بتفرقتهم وبثْ
الكره في قلوبهم، ووصول لبنان إلى القعر؟
العودة قليلاً الى تاريخ انطلاق مواقع التواصل الإجتماعي التي تزامنت مع مرحلة انتقال الإنترنت من الجيل الأول الى الجيل الثاني web 1.0 الى web 2.0 وهنا بدأت فعلياً عملية تشارك المحتوى من الجمهور أو ما بات يعرف اليوم بالـ UGC أو المحتوى الذي ينج عن المستخدم وليس عن صاحب الموقع الإعلامي أو المؤسسة أو الوكالة الإعلامية.
وتمتّع المستخدم بهذه الصفة بالذات جعله في مصاف صاحب وناشر المحتوى الإعلامي من دون أن يكون أهلاً لذلك! سواء لناحية التسلّح بالأخلاقيات العلمية وأصول التواصل والمهنة التي تقتضي 3 مقوّمات أساسية: الإحترافية الموضوعية والمصداقية والتواضع. وكل هذه الصفات لا نجدها اليوم في من يستخدم هذه المواقع ... حتّى ممّن هم – وللأسف – مؤتمنون على مهنة الإعلام وأهل الكار ! فالأخطاء – لا بل الخطايا – تُرتكب من الإعلاميين قبل المستخدمين العاديين سواء في التحقّق من المصادر على حساب السرعة في النشر أو في احترام أصول التخاطب وأخلاقيات المهنة.
وفي الواقع نحن اليوم في أزمة حقيقية. ليس فقط أزمة نظام سياسي، إنما أزمة أخلاقيات وأخلاق. ووصل بنا الأمر إلى حدّ تخوين وشتم وهتك أعراض من ينطق برأي أو موقف مغاير لموقف الآخر وبالتالي لقد أفرغنا مفهوم التواصل الاجتماعي من هدفها الأسمى ألا وهو خلق نقاش في مساحة حرّة تحترم الجميع.
فهل يمكن إصلاح هذا الخلل؟ وكيف؟ وهل يمكن إعطاء هذه المواقع صفة أو دور؟
ظهرت فكرة "حكومة الظُل" في بريطانيا في أواخر القرن التاسع عشر، وهيَ تُعتبَر
جهاز دستوري بريطاني، طبعاً لا قوة تنفيذيّة فعليّة لها.
تتكوّن هذه الحكومة البديلة من الحزب المعارض كحكومة مُناهضة عملها سياسي بحت، تُمارس المعارضة في إطار العمليّة السياسيّة الديمقراطيّة التي تحافظ على التوازن
الداخلي للنظام الجمهوري الليبرالي الحر، وتحول دون تحوّل الحكم عن المبادىء والمفاهيم الديموقراطيّة وجنوحه نحو الاستبداد في إدارة البلاد.
باختصار شديد، تُشكّل حكومة الظل صورة سامية للديمقراطية تسمح للجميع بالعمل من دون تهميش أي طرف.
غايْة هذا "الكابينيت" أولاً ودائماً هي خدمة الوطن والمواطنين عبر مراقبة عمل الحكومة،
كشف العيوب في قرارتها وتقديم حلول جديدة.
يَقَع إذاً على عاتقها مُهمة المعارضة الجادّة الفعّالة لتحقيق النفع العام.
انطلاقاً من هذا المبدأ، هل نشهد في يوم من الأيام تعديلاً دستورياً يسمح بإنشاء هكذا حكومة ظل؟ وهل يسمح للمعارضة بتكوين كيان دستوري يحمي عملها وصلاحياتها؟ وهل يمكن لتويتر وغيره من المواقع الالكترونية أن تشكّل هذه الحكومات البديلة؟
الحقيقة المُرّة هي أنّ دستور لبنان مُعرّض في كل فترة من الزمن إلى إجتهادات على وقع أزمات المنطقة المتتالية.
وربّما طرح فكرة تخصيص حكومة معارضة أو حكومة ظل في الدستور تبلسم جراح من لم يتمكن من الوصول عبر الإنتخابات الى الندوة البرلمانية وتعطيه موقعاً معارضاً أو على الأقل تكون هناك فرصة أمامه ليُسمع صوته للناس والحكومة الفعلية التي تمارس الصلاحيات الدستورية الحقيقية.
من هنا لذلك نرى أهميّة وجود حكومة معارضة ينصّ عليها الدستور، وربما تكون مخرجاً
لحل مشكلة لبنان الأساسيّة، ألا وهي تفضيل المصالح الحزبيّة والشخصيّة
على المصالح الوطنية.
وكم من حساب على التويتر وراءه ناشط سياسي أو إجتماعي طموح، وكم من مجموعة
حسابات ناشطة تنطبق عليها أحياناً تسميَة "الذباب الإلكتروني" نصّبت نفسها قوى
معارضة للرأي الآخر وما المعلوم ما أهدافها!
هذا بإختصار شديد توصيف المشهد السياسي اللبناني على التويتر.
يُؤثر حالياً هذا المشهد الرقمي بصورة كبيرة على الحياة الديموقراطيّة اللبنانيّة
ويَزيد الشرذمة في صفوف اللبنانيين. ويمكننا القول أنّ أشدّ ما يبحث عنه لبنان اليوم هو بارقة أمل أساسها وحدة شعبه لمواجهة صعوبة
وخطورة الصراعات الإقليميّة.
والحالة على تويتر - والآن كلوب هاوس، هي كالآتي : "كلٌّ يُعارض على ليلاه وأنا أعارض على ليلي"!
وأصبح الليل لا ينجلي عن وطننا لبنان!
فالسياسة فشلت في الحوار ولمّ الشمل، ولم يبقَ مخرجاً للأزمة غير الدستور.
إذن هناك شبه إجماع أن هذه القرقعة التي نسمعها على تويتر وغيره من المواقع مهمّة اذا ما نظرنا اليها في سياق الصوت الآخر المعارض للنهج والسلطة ، ولكنّها برأينا لا ترقى ولن ترقى الى مستوى تغييري فعلي الا اذا تُرجمت التغريدة الى صوتٍ في الصندوقة! نعم إن الانتخابات النيابية المقبلة هي محطة أساسية ومفصلية في تاريخ لبنان المعاصر (ما بعد الطائف) فإمّا تتكوّن معارضة وطنية لا طائفية حقيقية مبنية على الفكر لا على الانتماء الطائفي، ومبنية على الرؤية لا على المصالح الضيّقة ومبنية على المستقبل ورؤية لبنان 2050 – لبنان بلد نفطي وبلد متطوّر وبلد حضاري – أو عمرها لا تكون ولن تكون.
هل المعارضة وكل صوت معارض قادرة على لعب هذا الدور؟
حتى الآن الجواب هو كلّا.
ثورة ١٧ تشرين حملت معها الكثير من الأشياء الجميلة لكن من أهم أسباب عدم نجاحها هي فقدان القيادة،
تعدّد الأفكار وحسابات التويتر! هو على خطأ من يعتقد أنّ الآراء والصراعات الإلكترونيّة كفيلة بإحداث التغيْر الذي يُنشده الشعب.
لبنان جمهوريّة قوتّها في تاريخها وتاريخ دستورها. لكن، وهنا نطرح أيضاً السؤال، أليس ما ينقص لبنان هو معارضة قويّة؟
عندها، ليحكم من رَبح ويُعارض من خَسِر في حكومة الظل!
د. رامي رحمه – اختصاصي في أمراض الدم
فيليب أبو زيد –أستاذ جامعي في الإعلام والتواصل الإجتماعي