كتب الكثير في المئوية الاولى للبنان التي ترافقت للأسف مع انفجار من اكبر الانفجارات (غير النووية) في العالم.
انفجار محا معالم العاصمة التي نحبّها والتي كبرنا فيها والتي كانت على مدى سنوات ملتقى الحضارات والتنوّع والانفتاح.
انفجار بيروت الكبير ترافق مع مئوية لبنان الكبير وعوض ان نحتفل بالمئوية الاولى للوطن رأينا انفسنا نبكي عاصمة وشهداء ووطن بسبب الفساد المستفحل في كل تفاصيل لبنان.
ليس هذا لبنان الكبير الذي اراده اعيان لبنان .
ليس هذا لبنان الكبير الذي طالب به البطريرك الحويك.
وهنا لا بد من فتح نافذة على التاريخ فولادة لبنان الكبير أتت بعد جهود البطريرك الياس الحويك، ابن الخوري بطرس الحويك من بلدة حلتا – البترون الذي انتخب بطريركاً بتاريخ 6 كانون الثاني سنة 1899 في بكركي، وزار السلطان عبد الحميد خلال سنة 1905، فنال منه وساماً رفيعاً. ولمّا عاد إلى لبنان رفع نصب تمثال سيدة لبنان في حريصا لأنها نجّته من ظلم ذلك السلطان.
في أيامه كانت الحرب العالميّة الأولى التي أحكم فيها العثمانيون حصاراً على جبل لبنان، مات عشرات الألوف من أبنائه بسبب الجوع. لعب البطريرك دوراً في استعادة المناطق المنسلخة عن لبنان وهي معلقة زحلة وبعلبك وراشيا وحاصبيا، وترأس الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 ليطالب باستقلال لبنان بحدوده التاريخية، وقد دعي بحقّ بطريرك الجميع. واستقلال لبنان لم يكن أمراً سهلاً. اقفلنا النافذة على التاريخ.
وليس هذا لبنان الكبير الذي نريده نحن الشباب في مقتبل العمر بعد ان امضينا اولى سنوات حياتنا في هذا البلد وكبرنا على حروب التسعينات وحروب الشوارع وحروب مع الاعداء عام 2006 والحروب الداخلية عام 2008 والاقتتال المذهبي واليوم حروب اقتصادية ودمار عشناه وكدنا نموت فيه في انفجار الرابع من آب 2020 وهي سنة التحوّلات والانفجارات والويلات على اللبنانيين وما اشبه هذه السنة بسنة 1915 حيث المجاعة الكبرى والجراد والحصار والحرب العالمية الكبرى.
نعيش مرحلة استثنائية وتاريخية ومصيرية من عمر لبنان السياسي.
نعيش في كنف وطن يريد كل مكوّن فيه أن يحصل على الحصة الاكبر من النظام والحكم والتأثير على مجريات الأحداث والقرار السياسي.
هذه المغامرات التي بدأت منذ انطلاق المئوية خاضتها وتخوضها الطوائف التي هي لعنة لبنان ونعمته في وقت واحد.
الطوائف التي كانت قيمة مضافة للبنان يوم تأليفه ونشأته أصبحت اليوم نقمة مضافة وضريبة ثقيلة على النظام السياسي لدرجة ان كثر بدأوا يطالبون بإلغاء امتيازات ومفاعيل النظام الطائفي والتوجّه نحو دولة علمانية تشبه الى حد كبير الدولة المساهمة في اعلان لبنان الكبير – وعنينا فرنسا.
وهذا المطلب ليس سهلاً لان الانتقال الى الدولة العلمانية يعني ان تجرّد ملوك الطوائف من قبضتهم على النظام السياسي اللبناني ويعني ايضاً ان تدخل في حرب مع الجيوش السوداء واصحاب العمامات وعنينا المرجعيات الطائفية التي لها ايضاً حصّتها واموالها وتمويلها ومملتكاتها من هذا النظام والذين اليوم لا يحركّونها لانقاذ شعبهم الجائع تماماً مثلما لا يحرّك اهل السياسة اموالهم لاطعام الناس.
لكثير ممّن هم في السلطة اليوم ، لم يعد نظام الطائف هو الحل الانسب بالنسبة اليهم. عند كل مطبّ أو عند كل استحقاق هناك من يلوّح بالجلوس الى طاولة مستديرة والنقاش من جديد في شكل النظام اللبناني.
وهنا نقول : للجلوس على هكذا طاولة الامر يستدعي ان يكون الكل يتمتّع بنفس القوة. لا يمكن الجلوس مع شخص يهدّدك برفع الاصبع ويلوّح بفائض القوة والسلاح - ( اي فريق ) - ولا يمكن التوصل الى صيغة جديدة على قاعدة من يريد النيل اكثر من قالب الجبنة اللبناني.
علينا الاقتناع قبل التفكير بالمئوية الثانية ان الطوائف ليست اكبر من الوطن .
علينا تربية جيل جديد على حبّ الوطن اولاً اكثر من حب المنطقة او الزعيم.
علينا التأسيس لوطن حقيقي لا وهمي.
وطن استحقّ استقلاله وليس هبة من قوة اجنبية.
علينا التفكير ببناء دولة القانون والمؤسسات . دولة العدل. دولة يتجرّأ فيها قاض على اعتلاء قوس العدالة من دون خوف او تهديد .
علينا السعي لدولة يجرؤ فيها اي مسؤول على اقفال الخط بوجه مرجعية تحاول طلب واسطة من هنا او توظيف من هناك.
لبنان المئة عام القادمة يجب ان يكون رشيقاً لناحية التوظيف في الدولة. وان يتحرّر من الالتزامات الكبيرة في الكهرباء والمياه والهاتف وان يتجه نحو الخصخصة الناجحة والنافعة وليس المحاصصة القاتلة في الملفات كلها وصولاً الى النفط الموعود او المنهوب.
مئة عام جديدة تؤسس للبنان جديد بعد لبنان الكبير هي ما نحن بحاجة لزرع بذورها اليوم والسؤال الاهم :
كيف نقنع الجيل الجديد والصاعد بالبقاء في لبنان ؟ وكيف نخلق له فرص عمل ؟ وكيف نقنعه بجدوى ودور وطن اسمه لبنان.
في الاول من ايلول 2020 كل الشعب اللبناني تكرّم بتكريم فيروز من الرئيس الفرنسي ماكرون. فقد عرف الرئيس ماكرون ومن خلاله الحكومة الفرنسية ان تكريم هذه الايقونة هو تكريم للبنان الرحابنة ولبنان سفر برلك ولبنان الضيعة والحرية والكرامة. ومن هذا اللبنان ننطلق الى المئوية الجديدة.
هل نحن على قدر التطلعات والتحديات؟ ؟
فيليب ابوزيد