حرب غزّة : بين وهم الانتصار وفداحة الخسارة
لبنان لن ينخرط في الصراع حتى إشعار آخر.
حسابات الربح والخسارة ودروس للحاضر والمستقبل.
لم يكن أحد ليتوقّع ما حدث، ما عدا أحد المحللين على شاشة التلفزيون في فلسطين الذي وصف علناً خطة حماس ولم يصدّقه أحد.... أو غضّوا النظر عنها لتقع.... فكانت أكبر من الحسبان....
لماذا ؟
قبّة حديدية! أقوى جيوش العالم ! أهم سلاح جوّي في منطقة الشرق الأوسط! سياج مكهرب ! جدار فاصل ذكي يعمل على تقنيات الذكاء الاصطناعي ! جيوش مؤلفّة في الاحتياط ! خدمة عسكرية الزامية ! تجييش إعلامي ولوبي دولي... وأكثر.... الى أن أتى الطوفان!
في ذاك اليوم من السابع من تشرين الأول 2023 حصل ما لم يكن في الحسبان. وقع الطوفان. طوفان الأقصى الذي حوّل هذا التاريخ إلى يوم مفصلي في مسار الصراع العربي – الاسرائيلي. فهو بنفس الأهمية إن لم يكن أكثر من حرب ما يعرف بـ "6 اوكتوبر"!
فتلك الحرب التي بدأت عام 1973 بهجوم مصري سوري مشترك على إسرائيل، لاستعادة أراضيهم المحتلة عام 1948 و1967، ساهمت فيها دول عربية أخرى لتكون خامس الحروب العربية الإسرائيلية. حرب كانت الأكثر دموية بين إسرائيل ومصر، وتوّجت بعد ذلك بسنوات بسلام اعتبر سابقة بين إسرائيل وأي دولة عربية.
والسؤال اليوم :
هل تؤدي هذه الضربة الكبيرة والقوية وغير المسبوقة إلى اعادة تحريك المفاوضات بشكل جدّي هذه المرة ونهائي؟ كيف سينتهي هذا الصراع ؟ هل ينتهي باتفاقية سلام جديدة ؟ أم باعتراف رسمي ونهائي بالدولة الفلسطينية؟ أم بالقضاء على حركة حماس التي كانت المنظّم والمنفّذ للعملية العسكرية الأضخم منذ 5 عقود على اسرائيل؟
حتى الساعة لا يبدو أن اسرائيل تعي حجم الصدمة والردّ العنيف وغير المتكافئ في غزّة ما هو الا غيض من فيض مما تريد اسرائيل ان تحققه انتقاماً للضربة الكبيرة التي أدت الى مقتل ما لا يقل عن 1500 من سكانها ومن المستوطين ومن بينهم مدنيين وعسكريين وأسرى.
لقد ضربت الفصائل الفلسطينية اسرائيل بالعمق والصميم وكانت الضربة موجعة. ومنذ السابع من تشرين ألاول 2023 الى اليوم لا تزال الردود تنهال على رأس الفلسطينيين بغطاء دولي مقيت وتضليل إعلامي غير مسبوق، فهذا الشعب الذي بطبيعة الحال قد لا يؤيّد حماس بالمطلق وما فعلته ولكنه حتماً يدفع الثمن غالياً جداً وسط غياب أي فرصة أو مبادرة لإعادة إعمار ما ردم على الأرض ناهيك عن الأرواح البريئة التي لن تعوّض.
فقد قارب عدد الضحايا من الجانب الفلسطيني بحسب وزارة الصحة الفلسطينية من الـ 8000 شهيد بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى! وحتى الساعة اسرائيل مستمرة بقصف القطاع من دون هوادة ومن دون قيوض ومن دون مراعاة لأدنى قواعد الحرب فآلة القتل نالت من 1000 طفل على الاقل ناهيك عن النساء والأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل بكل ما حصل، وفوق انهم يعيشون في اكبر سجن مفتوح في العالم، اليوم يلقون حتفهم ومن يعيش منهم عليه أن يصمد من دون مياه أو كهرباء أو طعام أو دواء ... كل هذا ونحن في القرن الـ 21 !!
أمام كل ما يحصل ، ثمة من يسأل : هل لبنان يدخل في الحرب ؟ وهل حزب الله يقدم على خطوة عسكرية كبيرة تُدخل المنطقة كلّها في اتون النار والمجهول ؟ في الواقع أعتقد أن حزب الله منخرط في الحرب ولا ينتظر توقيتاً لإعلان ذلك. فإلى اليوم سقط للحزب 40 شهيداً ما عدا الجرحى، بالإضافة إلى حجم الضرر الكبير في الضفّة المقابلة أي في صفوف الجيش الاسرائيلي الذي غالباً ما يخفي ولا يعلن عن عدد ضحاياه.
وما يعنينا في
الجانب اللبناني هو أولاً أن يكون للحكومة اللبنانية رأي في ما يحصل، وحتى الآن هي
مستسلمة كلياً لقرار حزب الله وتحديداً السيد نصرالله الذي يعزو البعض عدم ظهوره
الاعلامي حتى الساعة إلى عدم اتخاذ القرار الحاسم بالدخول في معركة واسعة وحرب أم
بالبقاء ضمن المعادلة الحالية وضمن قواعد الاشتباك. وأغلب الظنّ أنه لن يعلنها حرباً بل تصدياً لأي عدوان على أرض لبنان. ومن يشكّك بقدرة حزب الله الاستراتيجية والعسكرية والترسانة المتوافرة لديه يكون واهماً، لكن من يراهن على أي حرب كبرى (تتحول حرباً عالمية ثالثة) يكون مغامراً لا بل مقامراً.
فمما لا شك فيه أن المقاومة اللبنانية عادت إلى الواجهة وبقوة وأهميتها في هذه الحرب أن قرارها المصيري بإمكانه التحكم بمصير بلد وشعب ولهذا فلقد ثبت أن كل الكلام في المرحلة السابقة عن أفول دور وهالة ووهج حزب الله بات وهماً وعاد اليوم دور الحزب الى الواجهة ليست فقط في لبنان بل هو يقلق ربع الجيش الاسرائيلي المتواجد على الحدود.
ثانياً : لماذا نريد الدولة ؟ لأننا نؤمن بأن ذلك من شأنه تقوية الموقف اللبناني وطمأنة الشعب بأن القرارات المصيرية لن تؤخذ من فئة لا تمثّل أكثرية الشعب بل من الأكثرية البرلمانية المنتخبة شرعياً لا بل أكثر، من شرعية الدستور الذي نص أن قرار الحرب والسلم منوط بالحكومة مجتمعة وحصر ذلك في المادة 65 من الدستور من بين القضايا الـ 12 الأساسية التي هي في صلب الديمقراطية التوافقية التي ينادي بها دوماً محور الممانعة عند التلويح بالأكثرية والانتخابات والتصويت.
ثالثاً: برأينا إن قرار دخول حزب الله في حرب واسعة هو باليد أما قرار الخروج منها أو كيف سنخرج منها فهو غير محسوب. وبكلمتين سريعتين : نموذج الرد الوحشي على غزة سيكون مضاعفاً 10 مرات اذا ما دخل لبنان في الحرب بالعمق لأن لا شيء سيردع اسرائيل كما تفعل اليوم من ضرب لبنان وارجاعه الى العصر الخشبي. وهنا لا بد من القول بأن التريّث في اتخاذ القرار من قبل المقاومة ليس بداعي الخوف إطلاقاً بل فيه الكثير من الحسابات والحكمة. سيناريو 2006 لن يتكرر والظرف الاقليمي والدولي مختلف تماماً. فمعادلة "لو كنت أعلم" هنا أيضاً ليست في الحسبان لأن الكل يعلم ماذا سيحصل والكل يعلم ان لا قدرة للبنان بأن يصمد باقتصاده وشعبه وهو الذي يعاني منذ 4 سنوات من الازمات المتتالية والافلاس على كل المحاور.
رابعاً: كم هو مخجل ان يغيب لبنان في هذه الحرب عن التمثيل في الجامعة العربية والاجتماعات التي حصلت في مصر (قمة السلام) لأن لبنان الذي كان عضواً مؤسساً وفاعلاً في جامعة الدول العربية أصبح ينظر اليه اليوم بأنه طرف منخرط في الصراع ولهذا لم تتم دعوته.
ولكن المؤسف أكثر أن لا رأس ولا رئيس لهذه الدولة التي تعيش في مستنقع يغلي ولا حصانة لديها ولا مؤسسات ولا قرار ولا مقومات.
خامساً : في العام 2006 ساعدت كل من إيران وقطر وغيرها من الدول لبنان وحزب الله من اجل إعادة الاعمار... اليوم إيران تطلب الدعم المالي من صندوق النقد الدولي على غرار لبنان. ولبنان المفلس بفضل الفساد وسياسييه، يملك أقل من 7 مليارات دولار احتياطي في المصارف ولا يملك القدرة على إعادة إعمار مجمّع سكني واحد ... هذا البلد الغارق في وحول الشتاء والفساد والعاجز عن تأمين دواء لمرضاه... من أين له أن يذهب الى الحرب.
حريّ بنا وبشعبنا البحث عن مأوى نختبئ فيه الى حين انتهاء الحرب من أجل معاودة محاولة العيش كما نحن اليوم.
سادساً : المشهد يبدو اليوم كالتالي: مصر غير مستعدة على فتح المعابر من أجل السماح بإقامة مخيمات على أرضها وبالتالي تحقيق حلم اسرائيل بنكبة ثانية وتهجير للشعب الفلسطيني....
لا نرى أيّ نية لإيران بالانخراط في هذه الحرب وبلعب ورقة حزب الله التي تعد ورقة قوية جداً في صراع ليس معنياً به بشكل مباشر وهو الصراع المتمثل بين حماس واسرائيل فلماذا ستلجأ الدولة الشيعية الكبرى الى التضحية بحليفها الشيعي الوحيد وذراعها السياسي والعسكري في هذه المعركة التي بالتأكيد لن تكون الأخيرة في تاريخ هذا الصراع.
لا نرى أيضاً أي نية أميركية بتطوير وتفاقم هذا الصراع خاصة وهي على مقربة من الانتخابات ولكنها تترك ابنتها المدللة اسرائيل تنتقم اجراماً من أجل التعويض عن خسارتها التاريخية والفادحة وهي بالمناسبة مهما فعلت، لن تعوّض...
وثمّة سؤال عن جبهة سوريا والجولان وسط كل ما يحصل ؟
أين نفس المقاومة والعروبة ؟ ولماذا على لبنان أن يكون دوماً في الواجهة ؟ فلو أراد المحور محو اسرائيل عن الوجود لاقتنص برأينا فرصة 7 أوكتوبر في عزّ الضياع والهذيان الذي أصاب الكيان الغاصب ولما انتظر كل هذه الايام ليسقط كل من سقط . . . لذلك الأمور باقية في المراوحة حتى صفقة ما على الأسرى توقف اطلاق النيران وتعيد الهيبة الى القطّ الجريح : اسرائيل.
في الختام الحديث يطول ولكن المسألة الاساسية هي : الى متى تستمر آلة القتل الاسرائيلية من دون رادع ؟ وهل سيأتي اليوم الذي سنرى فيه عدالة الارض والاطفال تنتصر لكل الشهداء الابرار والأبرياء الذين ورطّتهم حماس في أقوى وأهم ضربة عسكرية ضد اسرائيل في تاريخنا الحديث ؟
وهل يتحقق حلمنا بأن لا تموت البشرية بعد السكوت المريب والمرعب عن ما يحصل وأن نرى نتنياهو ومن معه يحاكمون بتهمة الإرهاب ضد الإنسانية. فإذا كان إرهاب حماس مرفوضاً، فإرهاب نتنياهو ومن معه لا قاموس يعرّفه لا في الأرض ولا في جهنّم الحمراء.
فيليب أبوزيد
1 comment:
Thank you for this simulation...
Post a Comment