Saturday, November 23, 2019

واقع الثورة وثورة الواقع


"اعشق التاريخ وقراءة التاريخ. انه اكبر معلّم . حذار تجاهله فيصبح من تجاهله جزءاً منه !"

ما يحصل اليوم في لبنان بعد قرابة الـ 40 يوماً على اندلاع الاحتجاجات الثورية على الواقع المرير أصبح تاريخياً على الاقل على المستوى اللبناني. اذ لم يسبق للبنان أن شهد هذا الزخم والعزم والاصرار من قبل شعبه على مدى أيام عديدة للمطالبة بالتغيير على مستويات عديدة : معيشية واقتصادية وسياسية وقارب بعضها التغيير على مستوى "النظام" والدستور القائم.

في المقابل لم يسبق لسلطة في لبنان ان تعاطت بالشكل الذي تتعاطى فيه هذه السلطة مع مطالب شعبها.
فمن موقع المراقب نرى ان هناك انقطاع في التواصل بين القاعدة ورأس الهرم. هناك تشويش ربّما على الذبذبات التي تحتوي مطالب الناس ووجعها فنراها تصل مشوّهة الى غرف الحكم والقرار "حتى الساعة".


أحد ابسط المطالب الشعبية : دعوة للاستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة يقوم بدوره بتشكيل الحكومة المنتظرة. هي دعوة ضرورية نصّ عليها دستورنا وهي ليست ترفاً . كما لا نملك رفاهية الوقت لاضاعته... فالحاجة ملّحة لحكومة تعيد جزءاً من الثقة المفقودة دولياً ومحليّاً فيخفّ الطلب على المصارف وتعود بعض الاموال لتحوّل الى لبنان.

وحريّ بنا القول أن الاستمرار بالمماطلة يزيد من زخم الشارع ومن حجم مطالبه. فمن أمضى اربعون يوماً في الطريق مستعدّ الآن لتمضية ستون وسبعون ومئة ! ويمكن للسلطة أن تحلّ مسألة الاضرابات وقطع الطرقات وحالة العصيان من خلال المسارعة الى البتّ بهذا الموضوع قبل التذرّع بمسألة  تسهيل الطريق امام الحكومة المقبلة والتريّث في الاستشارات. فهذا الامر يجعل من الديمقراطية في بلدنا "ديمقراطية مشروطة" تماماً كمن يحاول بيع السمك في النهر او إفراغ البحر في حفرة !

هذا المنطق ضرب الدستور وجعلنا نترحّم على ايام "الوصاية" على لبنان يومها كانت تأتي كلمة السرّ من خلف الجبال فتشّكل الحكومات وحتى اللوائح الانتخابية والقانون ومراسيمه التطبيقية ! فبأي منطق يجوز هذا "التذاكي" على الدستور والآليات الدستورية وسط وجود واضح وصريح للنصّ؟

لا منطق سوى منطق تسويات اللحظة الاخيرة والاستفادة من صفقات ما !؟
والمشكل الاكبر أنه كلّما اتسعت الهوّة بين الشارع والسلطة كلما دخل العامل الاجنبي الى الساحة .
لم نكن نسمع كلاماً أميركياً في بداية الاحتجاجات ولا روسياً ولا إيرانياً .... اليوم بعد شهر من الحراك اصبحت الازمة اللبنانية "شئنا او ابينا" جزءاً من الصراع في المنطقة وحريّ القول أن المصلحة الوحيدة للبنان هي في استدراج اموال وودائع بالدولار الى الخزينة من هؤلاء وكل كلام آخر عن دعم سياسي هو مردود لصاحبه أو يبقى في خانة الوعود الفارغة.


الشعب اللبناني اليوم لم يخرج الى الشارع من اجل ايران ولا من اجل اميركا ولا سواها... هؤلاء خرجوا لانهم جاعوا. منهم من خسر وظيفته ومن بات بنصف راتب. فهل يأتي بنصف دواء لأهله ؟ أو يدفع نصف قسط لمدرسة اطفاله ؟ أو يأتي بنصف مجمع حليب لأولاده ؟؟
وبالعودة الى الحراك أو الثورة، ثمّة تحية لا بدّ من توجيهها على جمال ورقيّ التنظيم للعيد الـ 76 للاستقلال . هذا العرض المدني دخل التاريخ في الشكل والمضمون أصبح بالامكان اطلاق تسمية "فوج الناس" عليه وما المانع من ان يشارك في العروض المستقبلية فيقال فيه : تأسس هذا الفوج في العام 2019 وشعاره العلم اللبناني !!
انما نطرح سؤالاً بالمنطق عينه الذي نظّم فيه العرض الاستقلالي، لماذا لا تنظّم لجاناً تمثّل هذه الحشود التي نزلت وتدخل في حوار "مشروط وعلى وقع العودة الى الشارع" مع السلطة ؟
لا يجب ان ننسى ان هذه القوى في الحكم اليوم وتحديداً في البرلمان، لديها حتى الساعة شرعية دستورية وهي قوى منتخبة حديثاً ، وجب الحوار معها والاتفاق حول خطة انقاذية للمرحلة المقبلة.
اذ لا يجوز ان بيقى الشارع مفتوحاً بهذا الشكل على كل شيء. حتى الساعة نجّانا الله من سيناريوهات فتنة عديدة وسقط شهداء وسالت الدماء في بعض المناطق اللبنانية. ما يخيفنا هو تكرار هذه السيناريوهات مع تكرار قطع الطرقات والتصرفّات التي لا تليق بصورة الشعب اللبناني.

الدعوة اليوم يجب ان تكون جدية الى الحراك لاختيار لجان تنوب وتمثّله ولتضع لائحة واضحة تشبه نوعاً من الاستفتاء الشعبي _ وان كان على طريقة الاقتراع ايام سقراط وعند الاغريق_ ولكن وجب تنقية المطالب وغربلتها بحسب الاولوية ولتكن خارطة طريق يدعمها الشارع ويكون على استعداد للعصيان ان لم تنفّذ.

فالبقاء في الشارع يهدّد ما تبقى من اشغال ويقفل ابواب ما تبقى من مؤسسات وسيؤدّي الى شارع مضاد قد ينفذ صبره ويبدأ برصّ الصفوف والحشد تحت راية : شارع مقابل شارع وحشد مقابل حشد.

وبهذا نكون قد عطّلنا كل ما تبقى من مؤسسات مصرفية واقتصادية وسياحية ونحن على ابواب عيدي الميلاد ورأس السنة ... فلنرحم قليلاً الناس ولنتركها تعمل لتأكل والا اكلت بعضها واكلت الحراك والثورة.


أما مسألة الخوف من ابراز قادة للحراك تحت ذريعة "فرطه" فما بني على صلب وصخر هو ثابت ولا يستطيع أحد المساس به. صلابة موقف الشعب اللبناني هي الضمانة وليس هشاشة من في السلطة.
وثمّة طلب اخير : الحفاظ على الدستور اللبناني. هذا الدستور كلفنا  200 ألف شهيد !! لا يمكن التخلي عنه اليوم وفتح الباب للبازار السياسي حول شكل وهوية للنظام الجديد.
الكل متفق ان التركيبة التي حكمت بالية مهترئة عفنة قديمة أكلها العتّ ... والحاجة لبروز قادة جدد باتت اكثر من ضرورة .. لكن الطريق الى ذلك قد لا يكون برأينا سوى من خلال الشرعية  والشرعية لا تؤخذ الا من خلال الانتخابات.

في الختام ثمّة من يقرأ وثمّة من يسمع ، لنعد الى التاريخ: نيرون أحرق روما لإعادة بنائها فغرق وغرقت معه بالدم. ماري أنطوانيت تجبّرت في فرنسا على شعبها الجائع فزحفت الالوف الى قصرها واقتلعتها واسست للجمهورية في فرنسا. القياصرة في روسيا قطعت رؤوسهم والسلطات العثمانية التي علّقت المشانق وحاربت الصحافة ، اقتلعها التاريخ ولو بعد 4 قرون من الزمن.
لنقرأ التاريخ . لنتعلّم . لنتعّظ. لنحافظ على لبنان.
23-11-2019

هل حان وقت لبنان ؟

سقطت الرموز... فهل يرتقي الوطن؟     لم يكن أحد يتوقّع أن سيد المقاومة يمكن أن تمسّه اسرائيل. لم يكن أحد يتوقّع أن هالة "#نصر_الله...