منذ اللحظة التي شاهدت فيها نادين لبكي تصرخ بوجه شباب قريتها المتقاتلين "طائفياً" في ضيعتها التي ابتكرتها من رحم الواقع اللبناني دون أن تسميّه في فيلمها "وهلأ لوين"، شعرت بأنها اختصرت صرخات مئات الأمهّات اللواتي خسرن فلذات أكبادهنّ في الحرب اللبنانية وخلال كل مراحل الاقتتال المذهبي للأسف ، في لبنان. نادين ؛ الرسالة وصلت! وكان صداها أقوى من صوت المدفع الذي دكّ المنازل في "الشرقية" و"الغربية" أيام الحرب اللبنانية؛
نادين لبكي يحار المشاهد بوصفها لأنها متعددة المهام والأدوار ، تتنقل بخفّة بين التمثيل والرقص والأداء والإخراج في فيلم أقرب بكثير من الواقع اللبناني المأساوي منه إلى فيلم سينمائي في الأغلب تنتهي روايته بقبلة وبنهاية سعيدة.
هذا الفيلم هو رسالة، وليتنا نتعلّم من تلك الرسالة لأنها مخطوطة بالدم وليس بالحبر. مخطوطة بالألم ووجع اليتامى والأرامل والأخوات والأخوة الذين فقدوا أقاربهم وأحبائهم من أجل قضيّة باتت متشعبّة اليوم ولم نعرف كيف انتهت أو ستنتهي.
بعدما شاهدت الفيلم ، سألت نفسي : لماذا مات من مات ؟ واستشهد من استشهد ؟ وقتل من قتل؟
هل لوطن مشتت مشرذم مفككّ ممزّق مشلولة مؤسساته ومهمول دستوره ومدعوسة كرامته ؟
من أجل ماذا تقاتلنا ؟ وبأي ثمن صنعنا السلم وتصالحنا ؟
ذهبنا إلى عواصم العالم بأسرها نبحث عن الحل ّ ولم يأتينا ... لأننا نعرف أنه في الداخل. ذهبنا نبحث عن الأنظمة الخارجية ترعى سياساتنا وحكوماتنا ولم نعرف أن الحكم الوحيد هو دستورٌ وضعه عظماء في هذا البلد أمثال ميشال شيحا وغيره ...
حان الوقت لنتعلّم ... وإن لم تكن التجربة قد علمتنا ، فلتعلمنا السينما اليوم.
فلتعلمنا مخرجة عمرها من عمر الحرب. وابنها ولد في ترددات هذه الحرب (أحداث 7 أيار 2008) . فإذا لم يعلمنا الدم درساً، وإن لم يعلمّنا التاريخ درساً ، وإن لم تترك التجربة فينا حساً وطنياً... فما الذي يعلمّنا ؟
دعونا نجرّب السينما.