عودة المؤسسات الدستورية تنقذ الجمهورية
أما وقد انتهت فصول "الفتنة المشتعلة" على وقع قراري الحكومة اللبنانية الميمونة الذكر، وبعد المساعي والجهود العربية المشكورة والمستغرَب "نجاحها" بلا حسيدة طبعاً (دقوّا عالخشب)، نبارك للشعب اللبناني هذا التوافق المولود من رحم دماء الحقد والفتنة ونتيجة التسويات الدولية ولعلنّا نخشى أن نقول "الصفقات". ولكننا نسأل: هل كان ضرورياً أن يُقتل من قتل؟ وأن يُهجّر من تهجّر؟ وأن يُخطف من خُطف ليتفقّ القادة السياسيين تحت راية العرب؟ هل كان ضرورياً إشعالُ بيروت وإقفالُ أزّقتها ومطارها ومرفَئِها وكل أشكالِ الحياةِ فيها؟ .. ليعي "الزعماء" مدى فداحة الأخطاء "قل الخطايا" التي ارتكبت بحق لبنان وشعبه؟ بالطبع لا!
ليست هذه المرة الأولى - والحمدلله - التي نختبر فيها هذا "الجحيم". فتجربة الـ 1958 والـ 1969 والـ 1975 والـ 1989 كانت ولا تزال البرهان الأقوى على أن لبنان لا يبنى إلا بالحوار والحكمة والتعقّل ولا جدوى من السلاح! ولا بد لنا من استحضار المفكر الكبير ميشال شيحا واضع الدستور اللبناني - ولعلّه حيث هو في حالة من الحداد المتواصل على الدستور ومؤسساته – هو الذي آمن بأن "لبنان لا يحكم إلا بالتسويات وأنصاف الحلول لإنه ليس بلد مجازفات وانقلابات"! كم من مرّة سنكرر ونعيد أن لا خلاص للبنان إلا من خلال الحوار و"الديموقراطية التوافقية" الحقيقية وليس بالمفهوم الذي يجتهد البعض بتفسيره وفقاً لأهوائه وتطلّعاته وطموحاته. فالديموقراطية التوافقية هي في الأساس مبدأ معمول به في "أنظمة المشاركة" التي تختلف عن "الأنظمة التنافسية" القائمة على الديموقراطية الصرفة بمفهومها الغربي (أي حكم الأكثرية). وتتميّز "أنظمة المشاركة" حيث "الديموقراطية التوافقية" بحسب "أرنت ليبهارت" بكونها تحتوي على أربعة عناصر أساسية هي:
أولاً: حكومة ائتلاف أو تحالف واسعة. (ويجب أن تضم أفرقاء الوطن كافة).
ثانياً: مبدأ التمثيل النسبي. (وذلك في الوزارات والادارة العامة مع مراعاة قانون الانتخاب لهذا النوع من التركيبة السياسية. نظام الإقتراع النسبي مع اعتماد المحافظة وذلك بعد إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية كما جاء في إصلاحات الطائف).
ثالثاً: حق الفيتو المتبادل للأكثريات والأقليات لمنع احتكار القرار. (لا أحد يعطلّ أو يستأثر بالقرار).
رابعاً: الإدارة الذاتية للشؤون الخاصة لكل جماعة (المكرّسة في الموادّ 9 و10 في الدستور اللبناني – قانون الأحوال الشخصية وحرّية إنشاء المؤسسات التعليمية الخاصّة).
غير أن البعض شوّه مفهوم الديموقراطية التوافقية في هذا المجال وارتكب الكبائر باسمها فتحوّلت إلى مرادف للدكتاتورية والاستئثار بالحكم والقرار. أما من يطالب بضمانات مسبقة في أي موضوع كان، ولأي فريق انتمى، عليه أن يفهم أن الحوار الحقيقي لا يكون مشروطاً وأن "الضمانة" الوحيدة هي عامل "الثقة". هذه الثقة التي باتت منعدمة بين الفريقين السياسيين في لبنان (يسّر الله حوارهم وفتح طريق العودة أمامهم) ولعلّ أخواننا العرب "فهموا" المشكلة للمرة الأولى بعمقها وخطورتها (بكيّر) فجاء التركيز على موضوع "الثقة" أساسياً ليحتلّ حيّزاً من الحوار وبنوده على أمل أن يعود هذا الجوّ من الآمان والإخلاص يسيطر على الشركاء في هذا الوطن.
ثانياً: في الحلول المستقبلية
أ- في السلاح والدفاع عن الأرض
"...إن المقاومة التي تصتدم ببحرها وأهلها تموت بسرعة". كثير من الحكمة في قول الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لحزب الله عشية انزلاق سلاح المقاومة إلى الداخل اللبناني. فبصرف النظر عن الأسباب والدوافع، الأهم هو النتيجة. وللأسف استعمل هذا السلاح وأخشى أن يكون فقد الكثير من هالته وشرعّيته التي أعطاها إياه الشعب اللبناني بأسره في الـ 2000 وقبلها وبعدها...
لذا فعلى الحوار الوطني هذه المرة، ومن أجل معالجة موضوع السلاح مرّة نهائية، أن يتوّصل إلى اتفاق على استراتيجية دفاعية تضع سلاح المقاومة في عهدة قيادة الجيش، فيتم التنسيق بين قيادة "حزب الله" العسكرية وقيادة الجيش اللبناني من أجل تنسيق العمل المقاوم أو الهادف طبعاً لحماية وصون سيادة الدولة واستقلالها.
- وبالعودة إلى مزارع شبعا، فتحلّ المسألة لدى الأمم المتحدة بالتعاون بين لبنان وسوريا (بعد إقامة علاقات ديبلوماسية بين الدولتين).
ب- في السياسة الخارجية:
إن موقع لبنان الجيو-سياسي وتركيبة لبنان الداخلية أثبتا على مدى نصف قرن أنه لا يمكن لأي فريق أن يفرض رأيه وسياسته وتوجّهاته على الآخر ومن هنا علينا البحث ملياً بالحياد الإيجابي الذي يجنّب لبنان تجاذبات وصراعات المنطقة والعالم. فلقد تعبنا خوض حروب الآخرين على أرضنا وعلى حساب شعبنا وسيادة وطننا.
ج- في تنظيم الأحزاب اللبنانية:
إن قانون "الجمعيات العثماني منذ العام 1909 مضى عليه "قرن" من الزمن، وبتنا في حاجة ماسّة لوضع قانون جديد وكان في هذا المجال عدد من المحاولات التي يمكن تعديلها بالشكل والمضمون المناسبين وذلك من أجل وضح حدّ للحالات الاستثنائية التي تشذّ عن منطق القانون والدستور والسيادة.
فمن البديهيات أن يكون هناك قانون أحزاب:
1. يمنع قيام الأحزاب التي تتناقض عقيدتها ولبنان
2. يمنع المظاهر المسلّحة كاللبس الموّحد والسلاح
3. يضع تمويل الأحزاب تحت رقابة المصارف اللبنانية فلا يكون الولاء لهذه الأحزاب أجنبياً بل لبنانياً
4. كما هو الحال في الدول المتقدمة، يمكن للدولة اللبنانية أن ترصد "موازنة" للأحزاب تأخذ بعين الاعتبار عدد المنتسبين رسمياً والنشاطات، وهذا ما يحفّز هذه الاحزاب بالذات للإنخراط أكثر فأكثر في منطق الدولة.
د- تطبيق إصلاحات اتفاق الطائف ومنها: 1. إنشاء مجلس الشيوخ – 2. إلغاء الطائفية السياسية – 3. اعتماد اللامركزية الإدارية – 4. تطبيق الإصلاحات التربوية وتوحيد مناهج التاريخ لتوحيد الرؤية حول ماضي وحاضر ومستقبل هذا الوطن.
فيليب أبوزيد
ماجستر علوم سياسية وإدارية - صحافة
1 comment:
I like your article but follow the instruction of making paragraphs and titles and subtitles , go ahead good luck , don’t forget to make a lead of your blog to know who is your audience
Post a Comment