Thursday, May 9, 2019

مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان وقعر الانحطاط


مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان وقعر الانحطاط
الحقد لن يبني لكم وطناً

"كل إناءٍ بما فيه... ينضحُ". قول مأثور


عندما بدأت تظهر مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً تويتر وفيسبوك، استطاعت ان تأخذنا الى جيل جديد من التواصل. لقد كسرت هذه التكنولوجيا الحواجز بين رئيسٍ وشعبه. بين قائدٍ وجمهوره. بين شركة وزبائنها. بين وفنانٍ وقاعدته الجماهرية ... وأصبح التواصل بشكل مباشر وسريع وباتت الأخبار تتناقل بشكل أسرع من وسائل الاعلام بشكلها التقليدي ( راديو، صحف، تلفزيون).

لكنّ هذا التطوّر السريع من جهة، لم يواكبه تطوّراً في شكل موازٍ وعلى مستويات عدّة على سبيل المثال لا الحصر ؛
أ- المستوى الأكاديمي : لم تتطوّر المناهج الاكاديمية بشكل سريع ليواكب هذا التحوّل في ما خلا بعض الجامعات والمعاهد التي حاولت تطعيم الاختصاصات الموجودة في الاعلام والتواصل ببعض المواد المتعلقة بالتواصل الاجتماعي والتسويق الالكتروني.

ب- المستوى الأخلاقي : أكاد أجزم أن الاكثرية الساحقة من مستخدمي هذه المواقع لا تعطي أهمية للجانب الاخلاقي كاحترام "أسس الحوار والتخاطب" و "احترام الخصوصية" و "التقيّد بأخلاقيات التواصل الاجتماعي" الى ما هنالك من أسس من الضروري ان يعرفها كل شخص يستخدم هذه المواقع.

ج- المستوى الثقافي : في هذا الجزء حدّث ولا حرج. هناك ثقافة موروثة ولا أعرف مصدرها، تقوم على إقصاء الآخر فكرياً وثقافياً وأخلاقياً. فإذا غرّد أحدهم رأياً أو فكرة ما لم تكن تشبه آراء وأفكار البعض، تُشنّ حملة شعواء ضدّه يتخلّلها كل تعابير الشتم والازدراء والتحقير والاستهزاء والاستخفاف بصاحب هذه الفكرة الى حدّ الطلب منه بشكل واضح وصريح أو بتغييرها أو بإزالتها أو محوها.

وهؤلاء طبعاً تطلق عليهم تسميتين مرادفتين : الجيش الالكتروني (وهو مصطلح ارتبط بداية مع انطلاق الثورة السورية عام 2011 وكانت له دلالات معيّنة في حينها) أو يحلو للبعض تسمية هذه الحالة "بالـذباب الاكتروني" على اساس ان الذباب يحوم بكثافة حول مادّة ما (طعام أو مخلفّاته) وينهشونه. 


علامَ يدلّ كل هذا ؟
أذكر تماماً قولاً لرئيس الحكومة السابق سليم الحصّ (أطال الله بعمره) الذي يعتبر أن في لبنان "الكثير من الحريّة ولكن القليل من الديمقراطية" _انتهى الاقتباس_ على اعتبار ان الكلّ لا يجد صعوبة في التعبير عن رأيه وأن لبنان "في الظاهر" يتمتع بحريّة رأي وهامش حريّة أوسع من الدول العربية المحيطة به _غير الديمقراطية_ وهذا ما يميّزه. أما الدلالة الى مصطلح الديمقراطية فهي للاشارة الى ان نظامنا السياسي في الظاهر ديمقراطي أما باطنه فهو عكس ذلك تماماً. إذ أن إحدى أبرز سمات أو صفات النظام الديمقراطي هي تداول السلطة والسلطة في لبنان تجمع الكل تحت شعار "حكومات الوحدة والوطنية" وغيرها فترى مثلاً حكومة تجمع الاضداد وتمثّل الجميع فيها... فتصبح حكومة لا تحكم وابرز سماتها: العرقلة.
والحرية أيها السادة التي نتمتع بها اليوم لم تعد حريّةً مسؤولة. وأخشى أن تصبح حريّة مشوّهة أو مقولبة. وما يحصل اليوم سواء في المجتمع او على مواقع التواصل الاجتماعي بغاية الخطورة! فإمّا تنطق بما يقنعني ويرضيني وإمّا فأنت "عدوّ الأمّة" ومجرم وقاتل ومشارك في المؤآمرة العالمية ضد تطوّر الشعوب ونموّ الانظمة وتستحق "الرجم الالكتروني" وهو مصطلح اطلقه اليوم على كل ما أشاهده بأمّ العين على تويتر أو فيسبوك الملعونين ببعض الجمهور الحزبي الطائش غير المثقّف سياسياً أو أخلاقياً.

إن أحكام الرجم انتهت منذ أن قال السيد المسيح لمن يمارسون الرجم بحقّ مريم الزانية او المجدلية : "من كان منكم بلا خطيئة، فليرجمها بأول حجر" مع ذلك، هناك من لا يزال يؤمن بهذه النظرية. هناك من لا يزال يختزن الحقد الدفين ضد الآخر. هناك من يمارس القمع تحت ستار الحرية. هناك من يريد أن يُخرس كل الاصوات الأخرى التي لا توافقه الرأي. هناك من يريد جيلاً بأكمله من محشيي الرأس حتى الانتفاخ بأفكار سياسية بائتة وبحقد موصوف يجعل من هذا الفضاء الالكتروني مكاناً وسخاً يشعرك بالاشمئزاز والقرف ليس فقط من حالة البلد التي وصلنا اليها، بل من الزعامات السياسية التي ترتضي وتقبل بهذا التصرّف لجمهورها.

المطلوب : الى جانب التثقيف السياسي الذي تخضع اليه بعض الكوادر الحزبية، تثقيفاً اخلاقياً قائم على اكتساب قدرات في الحوار والتخاطب. تثقيف على طريقة التواصل مع الآخر. تثقيف وتدريب على أن الأحقاد لا تبني وطناً بل سياسة الحوار والتخاطب البناء المبني على الحجج والمدّعم بوثائق ومراجع علمية. 
من السهل جداً أن تتهم الآخر بالقتل والسرقة والفساد من دون وجه حق. لكن من الصعب جداً أن تدرّب نفسك على ثقافة قبول الآخر والاعتراف بأن رأيك يحمل شيئاً من الصواب وكثيراً من الخطأ كما أن رأي غيرك قد يحمل الكثير من الصواب وشيئاً من الخطأ... ولن تصل الى هذه القناعة إن بقيت متقوقعاً في زجاجة ووضعت الغريزة مكان العقل الذي أعطاك إياه خالقك ... لا لتعطيه لأصحاب المشاريع السياسية والاقتصادية على حسابك وحساب اولادك ومستقبل بلدك ... بل لتستعمله فتصل الى جزء من الحقيقة كافٍ ليحرّرك من التبعية العمياء.

وللحديث تتمّة .

9 أيار 2019

No comments:

هل حان وقت لبنان ؟

سقطت الرموز... فهل يرتقي الوطن؟     لم يكن أحد يتوقّع أن سيد المقاومة يمكن أن تمسّه اسرائيل. لم يكن أحد يتوقّع أن هالة "#نصر_الله...