نعم لثورة بنّاءة لا للفوضى الهدّامة
أما وقد دخلنا في الاسبوع الثاني من
الانتفاضة الشعبية في بعض المناطق اللبنانية وخارج لبنان، لا بد من التنويه بأمرين
لافتين :
أولاً: حجم التضامن الواسع والّافت من
اللبنانيين خارج لبنان (في العواصم الاجنبية) الذين نظمّوا تظاهرات لافتة لا سيّما
في فرنسا واميركا وكندا واستراليا وبعض الدول العربية دعماً لما يحصل في الداخل
اللبناني وللمطالب المعيشية المحقّة التي يرفعها الشعب اللبناني في انتفاضته .
ثانياً: المثابرة التي تتحدّى الملل والخوف
والترهيب لدى هذه الفئات المعتصمة في الساحات والتي تطالب بمستقبل افضل لها
ولاولادها والذين ما عاد لديهم شيئاً ليخسروه... فتحوّلت الشوارع الى منازلهم
وبيوتهم ونقلوا صخب الحياة الليلية اليها فكان المشهد اشبه بعرس وطني بعيد عن
المشاهد العنفية والقتل والدماء التي غالباً ما تترافق مع هكذا احتجاجات في محيطنا
العربي على اقلّ تقدير.
انما اذا كان من في الشارع محقّاً في مطالبه وهو
كذلك، فهذا لا يعني ان هناك مطالب أخرى محقّة ألا وهي حقّ الناس في التنقّل والوصول
لانقاذ ما تبقّى من اشغالها ! وبالمنطق نفسه الذي يقول : لك الحق في التعبير عن
رأيك والاعتصام، لي الحقّ بالحريّة بالتنقّل والوصول من منطقة الى منطقة من دون
عراقيل.
فحذارِ ان تتحول هذه الثورة الى انتفاضة
"قطّاع طرق" بعد ان ظهرت باجمل ما يكون في لحظة لعلّها نادرة في عمر وتاريخ
هذا الوطن.
حذارِ انحدار "الثورة" الى
الزواريب والسراديب الداخلية فتفقد من رونقها وجمالها ومصداقيتها.
فالشارع ان استمرّ طويلاً سيؤدّي الى استنزاف
الشعب بأسره والوطن بأسره.
لا يجب ان يُفهم من هذا الكلام الهادئ
والعقلاني انه ضدّ المطالب الشعبية المحقّة ولكن كما رفضنا تصرّف من شلّ العاصمة
بين العامين 2007 و 2008 نرفض اليوم صورة قطّاع الطرق التي بدأت تتبلور.
بعد يومين يأتي آخر الشهر. المؤسسات الخاصة غير قادرة على دفع مستحقّات
الموظفيّن لديها.
بعض المؤسسات طلبت من موظفيّها اعتبار انفسهم
بحكم "المتوقّف عن العمل" اذا استمر الوضع على ما هو عليه. كيف تأكل
الناس وتشرب ؟ كيف تؤمّن سعر الدواء ؟ كيف ندفع الديون ونحصّل الشيكات المصرفية؟
ماذا عن طلّاب المدارس والجامعات ومستقبلهم الدراسي ؟
نعم الوضع لم يكن مثالياً في لبنان ونسبة
البطالة 30 % او اكثر ، لكن لا يمكن ان تحوّل "الثورة" بلداً بكامله الى
"عاطل عن العمل". إلا اذا كان هذا هو الهدف في نهاية المطاف : الوصول
الى سيناريو الفوضى السلمية في الشارع الذي سيتفجّر عند أول نقطة دماء.
ما الحلّ؟
ببساطة : حصر التظاهر في اماكن محددّة
وابقائها مفتوحة حتى تتحقّق المطالب السياسية.
عدم عرقلة الناس والمرافق العامة تحت شعار
"انقاذ ما تبقى لعدم هدم الهيكل على رؤوسنا جميعاً".
البدء بالتحضير لافكار انقاذية (اذا كنا
فعلاً نريد انقاذ لبنان) وعلى المدى السريع انقاذه من الافلاس المحتّم .
نعم للمطالب المحقّة . لا للفوضى. نعم لثورة
الافكار والمشاريع والانتخابات. لا لسيناريو العراق وسوريا.
28-10-2019
No comments:
Post a Comment