أبعد من الحراك وأقرب الى لبنان الجديد
بيروت 19 تشرين الأول 2019
يدفعني الى الكتابة في هذا الظرف حوار جانبي
بيني وبين شقيقتي التي أكبرها بعقدٍ من الزمن. تسألني عن تركيبة النظام اللبناني
وضرورة إحداث التغيير لكي يشبه هذا الوطن تطلعّاتها وطموحات الشباب والشابات مثلها
ومن سنّها.
من حقّ هذا الجيل الناشىء في عصر التكنولوجيا
ووسائل التواصل الاجتماعي أن يعرف وأن يعيش في زمن أفضل من الذي عشناه نحن وبالأخصّ
أفضل من الزمن الذي عاشه أهلنا (جيل الحرب والتهجير).
فما هي المشكلة ؟ ومن أين نبدأ ؟
إن تركيبة لبنان المتنوّعة تجعل من كل طائفة
تملك حصّة فيه. تماماً كشركة يملك فيها كل فرد اسهماً. بلا موافقة اغلبية مالكي
الاسهم لا يمكن للشركة ان تبادر باتخاذ اي قرار منعاً لانهيارها. كذلك الامر في
النظام السياسي اللبناني الذي يأخذ طابع "التوافقية" وقد اسميناها "ديمقراطية
توافقية" لأنه وفي الحالات التي تمسّ في صلب تركيبة البلد نحن بحاجة لقرارات
بالاغلبية الموصوفة (اي اكثر من ثلثي الاعضاء) الذين يؤلفون الحكومة او المجلس
النيابي. هذا النوع من الانظمة ينطبق على الدول التي فيها اكثر من مكوّن أو طرف
ومنها مثلاً: بلجيكا وكندا وسويسرا حيث انظمة الحكم مركّبة بطريقة تحفظ حقوق
الاقليات وتمنّع تفرّد الاكثرية بشكل مطلق في اتخاذ القرار وهي محدّدة في الدستور
وفي حالات معيّنة. (في الدستور اللبناني المواد 9، 10، 65، 95)
ما يصّعب هذه المسألة ويجعلها أكثر تعقيداً
هي تعميم هذا النظام على سائر مفاصل الحياة السياسية في لبنان فنصبح بحاجة لموافقة
الاكثرية على تعيين أصغر "موظّف" أو حاجب في الدولة ما يدفع البعض اليوم
الى التمسّك بحقوق طوائفهم وتبرز هذه الاشكالية في التعيينات الادارية من موظفين
أمنيين وقضائيين واداريين.
لماذا نتحدث عن هذه التركيبة ؟ لأنه علينا ان
نفهم ان التغيير في صلب هكذا انظمة لا يأتي بسهولة أو بكبسة زر! ليست المسألة
عشوائية ولكي تحدث التغيير في نظامنا اللبناني عليك ان تفهم تركيبته جيداً كي تمسك
بزمام الامور وتبدأ مسار التغيير.
ان مسار التغيير طويل وصعب وشاق.
مسار التغيير يفرض اولاً الانتفاض على الذات
والطائفة والحزب والمنطقة والهوية والعقلية المتوارثة منذ التأسيس. أي منذ الاعلان
عن لبنان الكبير عام 1920 مروراً بمرحلة الاستقلال 1943 وصولاً الى الحرب
اللبنانية عام 1975 والتحوّلات في النظام اللبناني عام 1989 ولا ننتهي مع
الانتفاضة الثانية للاستقلال عام 2005. ذاك الحلم المتكسّر على صخور قانون
الانتخاب الذي أعادنا الى العام 1960 والذي ضرب كل التجربة الجميلة التي تجلّت في
قسم جبران تويني في ساحة الشهداء والتي كادت (لولا دهاء السياسيين) أن تخلق
لبناناً جديداً على صورة القسم : مسلمين ومسيحيين دفاعاً عن لبنان العظيم.
لماذا اتحدث عن تجربة 2005 ؟ لانها كفيلة ان
تعلمّنا الكثير ولنستخلص العبر ولنتعلّم. واذا اردنا فعلاً الاستفادة من الحراك
الحاصل في الشارع حالياً أو أي حراك مستقبلي سواء كانت ثورة سببها الوتساب او جوع
الناس وفقرها بسبب غباء الطبقة السياسية وقصر نظرها، علينا اتباع الخطوات
التالية :
أولاً:
إقرار قانون انتخاب جديد
ان القانون الانتخابي الحالي الذي وعدتنا
الطبقة السياسية بأنه الافضل طبّق من دون اصلاحاته! وهذا يعني انه اقتصر على قانون
طائفي فرز الناس طائفياً وجعل الاخ يترشّح ضد اخيه كما رفع من ثمن الصوت التفضيلي
في البازار الانتخابي وكانت نتيجته اقرب الى من يفوز بمزاد علني بعد طرحه السعر
الاعلى للأسف !
القانون العصري الذي نتحدث عنه يجب ان يعطي
مساحة للشباب وللوجوه الجديدة كي تتمكن من الدخول الى البرلمان لاحداث التغيير
المنشود. وهنا تبرز النسبية بمعناها الحقيقي لا المعنى المشوّه الذي شهدناه في
الانتخابات السابقة .
ثانياً:
الحاجة الى تيارات واحزاب جديدة
لا يختلف اثنان ان الاحزاب السياسية الحالية
اصبحت مفلسة الرصيد . هذه الاحزاب شاركت بالحرب بشكل او بآخر. كانت جزءاً من
تركيبة السلطة التي بسببها وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم.
وجود احزاب جديدة وتيارات جديدة من شأنه
اعطاء دم جديد للجسم السياسي بدخول شباب طموح ونزيه وبعيد عن العقلية الطائفية
والمذهبية والاقطاعية. انها احدى السبل الاساسية لاحداث التغيير في النظام
اللبناني.
ثالثاً:
رؤية وتخطيط
علّة كل حراك في المرحلة الاخيرة في لبنان ،
من الحراك المدني الى الحراك الشعبي اليوم انه يفتقر الى الرؤية والتخطيط. القاعدة
الاولى في علم المناصرة هي ان تضع هدفاً واحداً نصب عينيك وتعمل بكل جهد متاح
لتحقيقه ثم تنتقل من بعده الى هدف آخر . مثلاً: قضية النفايات. قضية الكسارات.
قانون الانتخاب.
والخطأ الذي يرتكب هو اعتماد "سلّة
المطالب" التي تبدأ بانشاء حكومات عسكرية وقلب النظام والغاء الطائفية وهي
مطالب اوجدها دستور لبنان وعجز عن تحقيقها كثر عبر سنوات طويلة... فكيف لها ان
تتحقق بسرعة ؟
رابعاً:
تغيير في النهج والتربية والانظمة التعليمية
كيف لنا ان نغيّر ونحن نخرّج اجيالاً لم
تتعلّم تاريخها ؟ ولم تتّعظ من تجارب شعبها ؟ نحن لا نملك نسخة موحدّة من كتاب
التاريخ كما لم نسلّح الجيل الجديد بالمعرفة اللازمة وبحسّ الانتماء للبنان قبل
الطائفة. وللوطن قبل الزعيم. تغييّر النهج والتربية من أركان التغيير في النظام.
خامساً
: اقناع الطبقة الحالية بان صلاحيتها انتهت .
سواء بحركة عنفية او لا عنفية ، سواء في
الشارع او على السوشال ميديا، يجب ان تصل الرسالة الى الطقم السياسي الحاكم وهي
واضحة: انتهت مدّة صلاحيتكم ! والمطلوب التغيير في النهج على النحو السريع والآني
وتغييركم على المدى الابعد.
في الخلاصة، لا بد من الاقتناع انه في بعض
الاوقات يعتبر الكلام المنطقي والعلمي كلاماً غير شعبياً كما انه في اغلب الاحيان
يكون النمط الشعبي وما يطلق من شعارات غير منطقياً. علينا التفكير بهدوء... أبعد
من الحراك وأقرب الى لبنان الجديد
فيليب ابوزيد
No comments:
Post a Comment