Thursday, November 16, 2017

مواقع التخلّف والبربرية الاجتماعية




«سيدي إني أستهجن ما تقوله، لكني سأدافع حتى الموت عن حقك في التعبير عن رأيك».
إيفلين بياتريس هول (1868 - 1956)

لو لم يكن في بلادي شهداء "صحافة" و "رأي" و "كلمة" لما كنت أجرؤ على كتابة هذه السطور.
لو لم يكن لبنان بلد "حريّات" لما قويت على التعبير بقناعة وإيمان أن أحداً لن يسكتني بالقوّة... فدستور بلادي نصّ على قدسية "حريّة الرأي والمعتقد" والإعلان العالمي لحقوق الانسان "حفظ حق الانسان بالتعبير قولاً" دون خوف من تهديد أو قتل ... ولكن ما يحصل في الآونة الأخيرة في لبنان يدعونا الى القلق المستمرّ حول مستقبل مقولة "لبنان بلد الحريّات" وحول كل ما ورد في النصوص دون أن يتجلّى وينطبع في الذهون والنفوس.
لقد ضاق صدر البعض في بلادي الى حدّ لم يعد هناك فسحة صغيرة لتمرير وميض أو شعاع حرّية لينير عتمة وسواد العقول المتقوقعة والرافضة لأي رأي أو وجهة نظر أخرى. 


ضاق صدر البعض لدرجة أن كل من ينطق بموقف مغاير لموقفك بات ينعت بأحقر التعابير وأرذل الأوضاف وأوسخ النعوت. مصطلحات جديدة دخلت قاموس لغتنا وأدبياتنا في التعاطي مع الرأي الآخر وهنا نماذج مما أشاهده يومياً على مواقع "الشتم" الاجتماعي في معرض الرد على كل من يتفوّه بكلام مغاير لرأي سامعه : "شارب بول البعير" "سافل" "رخيص" "قديش قابض عليها هاي" "عميل" "خائن" والسبحة تكرّ...

فلا أدبيّاتي ولا أخلاقي ولا تربيتي تسمح لي بسردي لكم حجم الشتائم والتهم والتخوين الذي نراه على مواقع التواصل... وهنا ملاحظة بالنظام : هي اسمها مواقع "تواصل" اجتماعي، كيف لها أن تؤدّي غرض التواصل إذا كانت كلّها شتيمة وتخلو من النقد البنّاء والموضوعي واللائق ؟
كيف لنا أن ندخل في حوار مع من يخوّننا ؟
كيف لنا أن نتواصل مع من نعتنا بأحقر التعابير ؟ 

لا أيها السادة، تلك ليست حريّة تعبير ... بل هي وجه من أوجه البربرية من عصور غابرة حيث كان حدّ السيف الحدّ الفاصل لرؤوس وألسنة من تفوّه بما هو "مختلف" عمّا تعتقد به "الأكثرية" أنه صواب.
هي دعوة الى العقلانية والهدوء في التعاطي. 
دعوة الى التفكّر والعودة الى مفاهيم الحرية والصحافة والقبول بالآخر على اختلافه...
كفانا تخويناً لبعضنا البعض.. فإمّا نحن نعيش سوياً في هذا الوطن تحت سقف واحد ونأتمر بدولة سيدّة مستقلّة واحدة غير خاضعة لسيادة أجنبية من هنا ولمحور أجنبي من هناك .. أو لا نكون.


فيليب أبوزيد
17-11-2017

No comments:

هل حان وقت لبنان ؟

سقطت الرموز... فهل يرتقي الوطن؟     لم يكن أحد يتوقّع أن سيد المقاومة يمكن أن تمسّه اسرائيل. لم يكن أحد يتوقّع أن هالة "#نصر_الله...